الأحد، 16 ديسمبر 2012

][ سمية ][ قصة قصيرة


عذراء على ابواب الثلاثين ..
هذا ما خطر لها حين ابتسمت في وجهها احداهن لتقول لها عرفيني على نفسك ..
لكنها اكتفت بابتسامة وذكر اسمها " سمية " ..
- جميلة أنتي يا سمية ..
- لكل فتاة مسحة جمال قد يلاحظها البعض دون الآخرين ..
- تبدين مثقفة ايضا ..
- دقة الملاحظة قد تؤدي الى ذاك الطريق الذي تعنين ..
- لديك موهبة في المحاورة ايضا ..!
- المحاورة عبارة عن تبادل وجهات نظر , ليس إلا ..
- لا استطيع مجاراتك ..
- تستطيعين ولكن لا تريدين .. تلك الإنهزامية ..
- حسنا يكفي هذا ..
ابتسمت وختمت الجلسة بكلمة " تشرفنا بمعرفتك "
هي تعرف أن طبيعة شخصيتها قد تثير النفور لدى البعض ..
لكنها تحب لعب الأدوار ..
تحب أن تكون كل يوم بطلة جديدة لفيلم من مخيلتها هي ..
يصفها البعض بالغموض ..
أو غريبة الأطوار ..
يعجب بها البعض ..
وتثير الاستغراب لدى البعض الآخر ..
تحب هذا ..
تحب أن تكون مختلفة عما عهده الآخرون ..
تحرجها بعض النظرات المستنكرة أحيانا ..
وأحيانا تزهو بنفسها حين تكتشف نظرة اعجاب ..
العالم الخارجي بالنسبة لها يشبه استديوهات التصوير ..
هي من تختار الأشخاص وهي من تختار اختلاق المواقف ..
لديها موهبة في تغيير الأجواء حينما تحل على مكان ما في دقائق ..
إما كئيب مظلم ..
أو صاخب يضج بالفرح ..
المقربون يعترفون لها بهذا ..
وغالبا ما يستعينون بها لتغيير أجواء المنزل ..
في ذلك اليوم اختارت أن تكون غاضبة ..
فنثرت شحناتها السالبة في كل ركن من المنزل ..
وعلا الصراخ في كل مكان ..
هي تصرخ ..
والصغار يصرخون ..
والكبار تعلو أصواتهم بهمجية غاضبة ..
ثم وبعد كل هذا غرقت في صمت مهيب ليهدأ كل شيء من حولها ..
أغمضت عينيها ..
صارت تسمع صوت أنفاسها ..
ثم ابتسمت .. حدّثت نفسها أنا قادرة على أن أجعلهم جميعا يضحكون ويبتسمون ..
فراحت تدندن في البداية ثم ارتفع صوتها قليلا ..
فتحت عينيها بحيوية ..
وراحت تصفق ..
فأثارت انتباه الصغار أولاً ..
وراح الأطفال يصفقون معها ويضحكون ..
فانتبه الكبار وابتسموا وراحوا يشجعون الصغار على الرقص ..
علت الضحكات ..
حتى تعبت وتوقفت ..
واستمر البقية في المرح ..
توجهت نحو بركة الماء الممتلئة ونزلت فيها بملابسها ..
وراحت تسبح كالسمكة ..
تحت الماء كل شيء يبدوا أقل ضجيجا وصافياً ..
لا تزال تحبس أنفاسها وهي تفكر ..
تستطيع التفكير تحت الماء بوضوح ..
تشعر وكأنها تتجرد من جسدها ..
في الأعلى ضجيج ..
وتحت الماء سكون ..
تذكرت حبيبها الذي أغضبته بارادتها ..
حدّثت نفسها سأحادثه فيما بعد لأجبر خاطره المكسور ..
لم يكن يستحق مني كل ذاك التأنيب ..
انتهى الأوكسيجين فاضطرت للصعود والتقاط أنفاسها ..
عاد الضجيج والصخب ..
سبحت إلى أن ملّت ..
نهضت بتثاقل ..
وراحت تبدّل ملابسها المبللة وتمشط شعرها وهي مغمضة العين ..
التقطت هاتفها وطلبت رقمه ..
- ألو
- ألو
- أهلا سراج
- أهلا
- لا تزال غاضبا ؟
- لا بل مرهق
- آسفه , أنا اعتذر
- أنا الذي يجب عليه الاعتذار
- لا بأس دعنا ننسى
- حسنا
- هل تناولت طعامك ؟
- لا
- لماذا ؟
- لم أكن اشتهي
- تعرف أن أكثر ما يغضبني هو استهتارك وتهاونك بصحتك
- تهمكِ صحتي ؟
- ألديك شك في ذلك ؟
- لا
- إذن لماذا تسأل ؟
- أتمنى أن أسمع منكِ ما يسرني
- أحبك
- لم تكن تنبع من أعماق قلبك ..
- تناول طعامك واهتم بصحتك وستسمع مني ما يسر
- حسناً
- سأقفل الآن .. مع السلامة
- في أمان الله
بقي الهاتف معلقا في يدها تنظر اليه وكأنها تنظر في المرآة ..
وضعته على صدرها وهي تردد " آسفة "
لا تدري لماذا تحب أن تتلاعب بأعصابه ..
هكذا تعشقه أكثر ..!
تعشق عصبيته وجنونه وخوفه المبالغ فيه عليها ..
وهي تستطيع أن تخرج كل هذا منه ولكن متى تشاء ..
حتى هي أحيانا تصف نفسها بالقاسية ..
بدأت تشعر بالإرهاق وهي تفكر ..
لماذا كان يجب أن تحبه هو دون باقي الشبان من حولها ..
هو المريض الذي ينفر منه البعض لغرابة أطواره ..
غريب أطوار يناسبني تماما .. قالت مبتسمة ..
يفهمني جيداً كما أفهمه .. لكننها لن نجتمع تحت سقف واحد أبداً ..
نجتمع أرواحاً لا أجساد ..
تسمع صوت عقارب الساعة وهي تتحرك ببطء وبصوت يثير الأعصاب ..
هدأت النفوس ونام الجميع ..
يروق لها أن تراقبهم وهم نيام ..
ثم تدخل الغرف واحدة تلو الأخرى لتقبل الصغار وتغطي الكبار وتطفئ الأنوار وتغلق الأبواب ..
تقف في زاوية مظلمة وحيدة وتقول " يوماً ما لن أكون هنا "
ثم تتخيل أن هذه الليلة هي ليلتها الأخيرة في هذا المنزل ..
كما يفعل بعض الاموات في ليلتهم الأخيرة حينما كانوا أحياء ..
لكنها تكتشف أنها لا تزال حية ترزق في صباح اليوم التالي ..
هي أيضا مريضة ..!


تمت ..

2012/1433هـ

kawther alawazim

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق