الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

" لوحة فارغة / قصة قصيرة "

" لوحة فارغة / قصة قصيرة "





:


احتجت إلى أن أستنشق بعض الهواء في صباح جميل وشاعري كهذا ..

كانت الشمس تلقي بأنوارها رويداً ..

الهواء بارد ..

لم أتوقع أن يكون بتلك البرودة ..

رأيت سجادة صغيرة مفروشة في باحة المنزل ..

فذهبت واستلقيت عليها ..

ركزت نظري الى السماء ..

كانت السماء باهتة , يشوب زرقتها لون رمادي ..

والشمس أبداً لم تكن دافئة ..

ربما لأنها لا تزال في اشراقاتها الأولى ..

شمس الشتاء ليست دافئة جداً ..

تباً للذكريات التي تجتاحني كلما رأيت شمس الشتاء ..

أعترف انها ذكريات لذيذة لكنها مرة كقهوة الصباح في يوم مزدحم بالمشاغل ..

لقد أحكمت القفل على الذكريات ..

فاستطعت أن أتناسى الشيء الكثير ..

إلّا أن ذاكرتي تتمرّد أحياناً وتسرّبها خلسة بين الفينة والأخرى ..

أحاول أن أجد في السماء ما يلفت نظري ..

لا أرى شيئاً سوى نقاط بيضاء فارغة وخيوط من الدخان تتحرك كلما حرّكت عيناي ..

تبدوا في حركتها السريعة كأسماك الزينة تهرب هنا وهناك ..

أظن أنها بسبب السوائل داخل عيني ..

سبحان الله ..

ربما لهذا قيل أن النظر الى السماء يقوّي النظر ..

الشمس تواصل اشراقها ..

أذكر يوم أن سمّيتني بهذا الإسم ..

سألتك باستغراب : لماذا اخترت لي هذا الإسم ؟

فأجبت بابتسامة : في الشتاء أدفأ مكان نجده في الخارج هي تلك الأماكن التي تلقي الشمس بأشعتها عليها .. الكل يبحث عن شمس الشتاء ليتدفأ بها في البرد ..

راقت لي تلك الإجابة وافرجت شفتاي عن ابتسامة ..

الا انني الآن أفكر كم كنت غبية بل أحبك لأفرح بكلامك ..

شمس الشتاء دفئها مؤقت .. ربما لهذا افترقنا ..

كان يجب أن أعترض .. ما كان يجب أن أفرح ..

حلّق طائران ليشغلا تلك المساحة الفارغة للوحة السماء أمامي ..

ارتبك أحدهما وكاد أن يغير اتجاهه حين رآني ..

لكن الثاني لم يكترث وأكمل رفرفة جناحيه بانتظام ,دون أي ارتباك , تبعه الآخر سريعاً ..

ثم تبعهما سرب من الحمام يطير بعجلة ..

عصفور يقف على السور ..

ربّما عصفورة تبحثُ عن قوت لصغارها في هذا البرد ..

يبدوا لي أنّها ترتجف كلّما حرّك النسيم ريشها ..

ترى هل أصبحت أباً الآن ؟

هل أنجبت ابنة وسمّيتها باسمي كما كنت تقول دائماً :

إن لم يشأ الله لنا لمّ الشمل سأسمي ابنتي باسمك , حتّى حين أتذكّرك واتلفّظ باسمك لا يلتفت من هم حولي لفداحة الخطأ ..!

كنت أردّ عليك : حين نفترق سيكون من الخطأ أن تسمي ابنتك باسمي , لأنها ستصبح منحوسة مثلي وقد تفترق هي ايضاً عمن تحب أو عنك بالأحرى ..!

كنت تحزن حين أقول لك هذا الكلام ..

وكان حزنك ذاك يفرحني ..!

صوت طائرة يخترق سكون الصباح ..

تحلّق أمامي ببطئ ..

سطحها يعكس نور الشمس فتبدوا لمّاعة ..

كأنها لعبة ..

يهب نسيم بارد ويحرك خصلات شعري ..

أشعر بالبرد وأطرافي قد تجمّدت ..

سأقوم الآن ..

لأعطس عطسة الصباح المعتادة وأنسى أي ذكرى تتعلّق بالماضي ..

ها أنا أعود لروتيني اليومي , لوحتي الفارغة ..

قد أملأ فراغها وقد لا ..


:



انتهت ..



28/1/1434هـ

كوثر العوازم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق