الاثنين، 16 أكتوبر 2017

آن الأوان

لقد آن أن تنام الرِّقة في قلبِ الزُّجاجَة ..
أن تصعدَ على أكتافِ السّلام وتُسبِل الأجفان ..
أن يتبخّرَ بقايا زيتهَا منَ المِِصباح ..
أن يخفتَ نور الكوكبُ الدرّي الذي يوقدُ من شجرةٍ مُباركة ..
كانَ يُضيءُ لِمَن يريدُ أن يغترفَ من ودائِعهِ الحِكمة .....
تتقلّبُ صفحاتُ نهجِ البَلاغة البيضاء تحت خيوطِ النّور الأصفَر المُتراقص كوَهجِ شمعَة ...
لكنّها الآن تتلاشَى فقط ..
تُبعثرهَا ريحُ الغَدر ..
تضطَرِمُ نارُ الفقدِ فوقَ رؤوس اليتَامى وتُحرقُ طيورُ النحام الورديّة ..
تُحيلُ أحلاَمهِم إلى رَماد ..
أتنامُ الرّقة ؟!
تلكَ المَصحوبة بِقوةٍ وبأسٍ شديدَين ..
أتنامُ السَّماء ؟!
تلك الغَامِضة الّتي تَحوي العجَائب المتناقضة والمتباينة في آفاقها ..
أيتوقّفُ ذلكَ القلبُ الّذي لَطَالمَا ضجَّ نبضهُ بالحَقّ ؟!
عَجباً ..
كيفَ تصدّعَ هذا الجَبل بِنزولِ السّيف عليهِ لا القُرآن !

كيفَ خشعَ وهوَ في آناءِ صلاةٍ وأطرافَ سُجود !
هُناك ..
بينَ علامتَي تعجُّبٍ تقطِرُ حزناً ، يَنثرُ جبرائِيل من فوق أجنحته غُبارَ الفَقد في الأزقّة ..
تتَصايحُ الإوَز وينكسرُ قلب الصّبر ..
تُعلن النّجوم الحِدادَ وتنطَفِئ ..
الدّماءُ تَسيلُ قانيةً والعرشُ يهتزُّ باكياً ..
الجدرانُ ترتفعُ فزَعاً ..
ولا قرارَ بَعدَ مثلِ هذا الرَّحيل ..

كوثر العوازم
19/9
1438

صباح الخير يا طفلي

صباح الخير يا طفلي ..
انه الصباح هنا ، حيث تبزغ الشمس وتنشر نورها على نصف الكرة الارضية ..
" ستعرف فيما بعد ماذا يعني شمس وأرض وكل كلمة سأكتبها هنا تدل على شيء ستتعرف عليه وعلى معناه حين تكبر قليلاً .. "
العصافير تزقزق بحماس .. صوتها يشبه صوت تسبيح لا ينقطع .....
صياح الديكة في المزارع المجاورة يرتفع كقهقهات ممتدة إلى أمد محدود ..
نسائم فجر صيفية تهب بخفة وتحرك كل ضعيف تلامسه كأوراق الشجر وخصلات شعري ..
أنا أمك ..
انا الأرض وانت حبة القمح التي زرعها ابوك في جوفي ..
ها انت تكبر ..
تنمو ..
تشق طريقك ..
ويوماً ما سأسمع صوتك ..
وستكون في حجري تبكي وتضحك ..
تفرح وتحزن ..
تنسى وتتذكر ..
ستجرب مشاعر كثيرة ربما بعضها يكون قاسياً إلى حد لا يطاق وبعضها الآخر سيكون جميلاً جداً حد أن تشعر بأنك قد لامست بأناملك عنان السماء ..
أحبك جداً ..
لتعلم ذلك فقط ..
وقد لا يكون لهذه الكلمة أي معنى الآن لأنك لم تولد بعد ..
لكنني أشعر بأنني منذ الآن أحبك كما تفعل جميع الأمهات ..
يقول أبوك أنك ستكون قيدي للأبد .. وقيده أيضاً ..
وأنا أمنّي النفس بأن تكون أنت صك الحرية ..
حين تولد ستكون أنت العالم الذي يأخذني من عالمي هذا الذي لا يعنيني كثيراً لآخر ستكون فيه أنت الشمس والماء والهواء ..
سأعيش لك وبك ..
لذا لن أفكر في النهايات ..
لن أفكر في كيفية تربيتك الآن ..
لن أفكر في نتيجة كل قول او فعل يصدر مني تجاهك ..
لن أفكر في الأثر او الانطباع الذي سأتركه عني في نفسك ..
لا اريد أن افكر في اشياء كثيرة ..
لأن كل ما يهمني الآن هو أن تكون صحيحاً وسالماً ومعافى من كل مرض ..
لأن الإنسان لن يصعب عليه شيء في الحياة ولن يضعف الا إن كان مريضاً ..
أقول هذا لأنني صاحبة تجربة ..
هذه ثاني رسالة اكتبها لك وقد تلاحظ أنها تتسم ببعض الحزن ..
وذلك بسبب بعض الهرمونات التي إن زادت او نقصت أثرت في مزاجية الانسان ..
أترى ؟
إنه مجرد هرمون ذلك الذي قد يجعلك حزين جداً او سعيد جداً ..
وما بين مشاعر الحزن والسعادة الحياة تمضي على خط روتيني واحد ..
انسان يولد وانسان يموت وبين ذا وذا انسان يكافح لكي يعيش ..
كن قوياً يا طفلي ..
لأن الحياة تتطلب ..
لا تكن متذمراً مثلي او مثل والدك ..
لقد عشنا أياماً حلوة وأخرى مُرّة ..
والمُر هنا أكثر من الحلو ..
تلك هي الحقيقة ..
ربما تسمع أبيك يكرر على مسامعك جملة " الحياة بنت كلب " وهو محق ..
لأنه رجل يكافح لكي يعيش ويعيشنا معه انا وانت في افضل حال ..
انه رجل يتعب من أجلنا كثيراً ويخاف علينا كثيراً من ويلات الحياة ..
عليك أن تحبه وتخفف عنه كل تعب بدفء ابتسامتك ..
عليك يا حبة قمحي الصغيرة أن ترضى بما قسمه الله لك لكي تشعر بالراحة في بعض الأحيان ..
الإنسان يحتاج إلى راحتين ، جسدية ونفسية ..
لذا وهبنا الله نعمة النوم والإطمئنان ..
عليك أن تحمد الله على كل حال ..
لأن لا أحد ولا شيء في هذه الحياة سيرأف بك ويرحمك سواه هو الذي خلقك وسواك ..
انا وأبيك مجرد وسائل لكي تكون انت ..
لقد قال الله كلمته " كن "
وها انت ستكون بإذنه ..


كوثر
1438
 

إليه

" إليه "
مرأى المستقبل في عيني ضباب ..
مموه ليس فيه الا حدود ظلال متراقصة ..
يضحك بلا ثغر .....
ويدعوني اليه بلا صوت ..
لا تسألني عنه ..
فإني أقف على مقربة منه وأخشى الضياع ..
أن أتحول الى ظل لا لون له ، يختفي أو يتلاشى ..
أن تتراكم عليه الوان الظلال الأخرى حتى يختنق ويموت ..
انني اجهل حتى حاضري كـ زهرة نرجس خجولة لم تتفتح عينها بعد ..
لم أعلم من حياتي الا ما مضى منها ، لأنه مضى ..
ولأنني بعد المعاينة ربطت خيوط الغازها ببعضها ففهمت ..
فرفقاً بي يا نصفي ..
رفقاً بقلبي الذي كل ما يعرفه أنه يجب عليه الخفقان ..
قلبي الذي وظيفته الحفاظ على استمراريتي ..
الذي حين سمع نبضك كاد أن يبكي ..
وكأنه لم يعلم من قبل أن وظيفته الرتيبة هي وظيفة كل القلوب ..
وجد من هو مثله ..
ينبض بلا كلل او ملل ، يسير على ذات الايقاع الموسيقي وينثر الحياة أرجواناً هنا وهناك وفي كل الأنحاء ..
رفقاً لأنني اتلعثم بحثاً عن جواب ..
اصمت حين أكاد اتكلم ..
ويرجف قلبي المسكين دهشةً ..
انا لا أعلم كيف هو المستقبل ..
لكنني أحلم به أحياناً ..
له وجهان ..
وجه يحمل من الجمال ما لا عين رأت ..
يقطر عذوبةً ..
ويُحدث بين الأضلاع خفقةً من فرح ..
ووجه يحمل من القبح ما لا يخطر على قلب ..
يزورني طريقاً موحشاً لا اجد فيه سواي ..
ولا اعرف فيه سوى الله ..
ومن فرط الغربة الهج بالدعاء ..
واذا بأدعيتي كلها تطوى في قراطيس النسيان ..
سيدي لا تسألني عن الطريق ..
ولا عن شكله ..
ولا إلى أين مستقره ونهايته ..
انني أتجمد في غربتي ..
انتظر المجهول ..
فإن شئت قف معي وإن شئت ............!

5/12/1436
كوثر ..

مغيب

تنوي الشمس المغيب ..
تتأهّب وتلملم من حولها خيوطها وتغزلهم حُمرة قانية ..
لقد انتهى يوم كاد أن يكون بهيجاً ..
...
اختفت هوادج الشمس خلف الأفق المهيب ..
ولم تترك إلا خيطاً عليلاً وغبرة ليل ..
قمر يتوسط السماء ، يده غيم وصدره رثاء ..
ينحني ضوءه ويقدم الولاء ..
تنظر اليه فتاة يافعة لا تفهم لم يجب أن تبقى وحيدة في منزلٍ قد هجرته الأصوات ..!
تخاطب نسائم الليل آتيني بالأخبار ..
الشمس التي رحلت أين استقرت بها النوى ؟
النسيم يشهق بكلمة " عاشوراء "
يلتقط حنينه ويشهق مجدداً " كربلاء "
يد القمر تحجب وجهه ، تلطم صدره وتنهمر الأمطار ..
صوت امرأةٍ قد خضب شعرها بالفضة يسبق الزمان ، يطرق أبواب الأزقة ، يتردد صداه
" نذر علي لئن عادوا وإن رجعوا لأزرعن طريق الطف ريحانا .."
يأتي الفجر سريعاً خجولاً ، يطأطئ رأسه اعتذاراً ..
بين يديه جثث قتلى وعلى أكتافه يحمل رضيعاً قد انسدل قماطه حتى غطى المدى ..
الحمامات تنوح ، العصافير الحانها صوت اصطكاك السيوف ، الرمال تتحرك كأنها أذيال اليتامى تقوم وتتعثر ..
رائحة احتراق ودم ..
والرعد يتمتم " يا أهل يثرب لا مقام لكم بها .."
الصبح يأتي حائراً ..
في فمه مذاق اليبوس والعطش ..
الرعد يزمجر مرهقاً ..
" قتل الحسين فأدمعي مدرار .."
*كوثر العوازم
1439هـ

إني اهتديت

إني اهتديت يا حسين ..
قد دلّني على الهدى صوت وحيد يطوف حول الخيام باحثاً عن ناصرٍ والنصر المبين ..
لقد اهتديت حين رأيت ثوب السكينة ممزقاً ، يلتف حول معصمٍ كان ربيعاً ، صار خريف ..
إني اهتديت وكان الهدى صوت مناغاة الرضيع وعناق أزلي أبدي سرمدي ، قد فضّ قهراً فوق الوجيب ..
...
حين تناهى لمسامعي فزع الملائكة من صوت ارتطام العمود بالجبين ..
وانسحاب جسد النزاهة مهشماً فوق أراضي الخيانة والغليل ..
وأكفٌ طاهرات قد أسدلت على الضياء اليتيم صوت حزنٍ وعويل ..
وصغار تتراكض قد أبدلت صوت المرح بالبكاء والنحيب ..
قد ولى الأمان هارباً عنهم ، يلتمس من ربه أماناً من اقترافات البشر في حق النجيب ..
حين رأيت النهر يجري ماؤه وشفاه ذابلات وعيون من الشوق تسيل ..
حين أفزعني وجه الظلام جاثماً فوق الشبير ..
وأن للأخوّة كفوفاً قد أنكرت جسد العشير ..
وقِراباً مثقوبات ، قد ضاع منها الإرتواء ..
وشلال من دماء يغمر الريحان سُقيا يفوح منه شذىً فاضحاً وحقيق من عبير ..
اني اهتديت حين عاد الخيل مثخناً من رشق السهام ، جريحاً من الفقد العسير ..
وأقبلت إليك ناصراً بعدما سارت قوافل النساء تسوقها زجر السياط واجترار السلاسل الصريح ..
آهٌ يا إلهي من قيود كالثعابين تلتف حول غلامٍ للذبيح ..
ما كفاه الإغتراب حتى تصلب أفراحه كما عيسى المسيح ..
أقبلت بعدما انجلت الغبرة ولم يبقى فوق الرمال سوى ذكرى وضريح ..
التمس منك الندى يروي يبوس مدمعي ..
أبلّ ريقي بعذب مناجاتك وأفرد روح تفجُّعي ..
التمس اللحاق بركب اللاطمين على الصدور من هول المصاب ، قد تركت خلف قلبي مهجعي ..
إني اهتديت بعدما أسدل الستار على مسرحٍ من مصرعِ ..
أدور حول نفسي خائفاً خوف موسى وأترقّب أن يأتي الزمان بالثائرِ ..
كوثر  العوازم
1439هـ

تهاوى الرّكن

تهاوى الرّكن ..
:
الظل الأزرق الذي كان الأطفال يلعبون ضاحكين تحت خيمته وقع فوق أراضي كربلاء ..
تناثرت شظايا مرآته الصافية في كل مكان حتى أنه لم يعد يُعرف منه إلا لون جرحٍ يتقاطر ..
صوت طفلٍ بلا قرار يتردد صداه في الفيافي ،...
وكأن الزمن قد توقف في تلك اللحظات الحارة من ظهر عاشوراء ..
خيط من الدم المتجمد يتدلى من كفّ العذوبة في قنوتٍ سرمدي ..
ونوحُ ملائكة كصوت المطر يأبى أن يتلاشى ، يتساقط من السماء على أربعة أحرف عطشى
" حسين "
أرواح تتصاعد كدخان السحب البيضاء من أجساد لطختها حوافر الرعد ..
تحيطها صوائح رمادية اللون لنساء ثاكلات ..
نساء تتكاثف حول الجثث ، حملت في ارحامها تلك الأجساد شهوراً طويلة ..
قد غادرت جفونها السكينة ..
فاحت في قلوبها عطور الياسمين الحنونة ..
خطت فوق جمر الألم لكي تنجب والآن حان الوقت لكي تتجرع غصة الفقد ذات الأشواك ..
صرخة تتحشرج خلف حناجرها ..
سفينة الأمان تغرق في الظلمات ..
إما فرار إلى المجهول وإما اللجوء إلى الموت ..
تنطوي صفحة الذكرى عاماً وتفتح في آخر ..
تتكرر مشاهد الضياع وتبلل الأوراق بالدموع ..
تومض كلمة " بابا " بين الفينة والأخرى ..
صورة رأسٍ مدمى الشفاه ترسمها ريشة سوداء وتمحيها أنامل غيبٍ صغيرة ..
احتراق خيام عشق ..
احتراق سنين انتماء ..
احتراق أزقة نور من البراءة الغضة ..
وملايين كفوف كالأجنحة ترفرف فوق صدور السطور ..
سهام الليل الكئيب ترخي سدولها بلا صوت ..
لم يعد يجدي الكلام ..
يوم من الحزن يساوي دهوراً ، قد نمت دقائق بياضها فوق رأس امرأةٍ تقف بشموخ ..
تجر أذيالها الورد ، مشيها مشي النسيم ..
تلملم شذرات النور تحت عباءتها
وتكفكف عن وجناتها أمواج الوجد ..
وتخاطب خنجر الغدر قائلة " أيامك عدد وجمعك بدد "

يخيم الذهول على حد السيوف ..
تخمد النيران ..
تفتح أبواب السلام ..
وترتفع موسيقى دخول الجنة
" يا حسين .. يا حسين "
كوثر العوازم
10/1/1439هـ